الفدرالية في العراق: بين الدوافع والمعطيات

هكار فندي

هل تعني الفدرالية، التقسيم والانفصال؟ ام انها النقيض من ذلك تتضمن معنىً مبطّنَّاً للاتحاد، وبدون هذا المعنى لا تقوم للفدرالية قائمة، لو كانت الفدرالية تقسيماً وانفصالاً لانفصلت الولايات المتحدة إلى ولايات مشتتة وضعيفة، وتفككت كل من سويسرا وبلجيكا والهند والامارات العربية المتحدة إلى دويلات تتقاسمها الدول القوية، 

فالفدرالية اتحاد اختياري بين ولايات أو دول أو أقوام تختلف قومياً أو عرقياً أو دينياً أو لغوياً او ثقافياً وتتحول بعد اتفاقها إلى شخصية قانونية واحدة او نظام سياسي واحد مع احتفاظ أجزاء هذه الشخصية المتحدة بخصوصيتها وهويتها بوجود تفويض للكيان المركزي للاتحاد ببعض الصلاحيات المشتركة مع الأحتفاظ بصلاحيات اخرى لهذه الاجزاء او الولايات. بما يعني توافر الاستقلال الذاتي في مسائل عديدة للولايات المكونة للاتحاد ولهذا فان أهم ما تتميز به الدول الفدرالية او الاتحادات الفدرالية هو الاستقلال الذاتي لكل ولاية او دولة مشتركة في الاتحاد.
اذن لماذا يخاف الكثيرون من الفدرالية او يعادونها ؟ هل لأنَّ الإنسان عدوٌّ ما يجهل ؟

ما هي الفدرالية؟
طريقة حكم مبتكرة لتقاسم السلطات دستورياً بين حكومة مركزية ووحدات حكومية أصغر غير مستقلة (الأقاليم، الولايات)، وتعتبر الفدرالية من أهم دعامات الدستور الأمريكي، الذي يستند بشكل اساسي على (الفدرالية والفصل بين السلطات الثلاث والحقوق المدنية)
لا يخفى عنا جميعا بأن المجتمع العراقي يتكون من قوميات وأديان مختلفة، وبذلك فإنَّ المجتمع العراقي مجتمع متنوع والطيف العراقي يختلف في اللغة والعادات والتقاليد والطقوس الدينية
بوجود هذه الاختلافات إضافة إلى الوعي الديمقراطي الذي لم يكن متواجدا في السابق ولدت مشاكل كثيرة منها حرمان تلك الاطياف من حقوقهم المشروعة، وبعد ان بدأوا بالمطالبة بحقوقهم جوبهوا بالرفض وعدم الاعتراف بمطاليبهم
لكن بعد انتشار الوعي الديموقراطي ظهر اتجاه جديد لدى المختصين والمهتمين بضرورة وجود نظام يدخل في صلب هذه المشاكل لحلها، فلابد من ايجاد طريقة تضمن حقوق الاطياف المختلفة في المجتمع الواحد للاعتراف من خلالها بمطاليبهم
وعلى مر التاريخ ظل الانسان يبحث عن نظام يتقبل تنوع المجتمع ووجدوا ان الفدرالية هي النظام الذي يحل او يضمن حقوق جميع اطياف المجتمع بما فيها الاقليات الصغيرة مع ارضاء الاغلبية وعدم المساس بحقوقها.
في البداية سنحاول توضيح مفهوم الفدراية بشكل عام والدولة الفدرالية بشكل خاص، اضافة الى بيان طرق نشوء الدولة الفدرالية والاسس التي لابد من وجودها لتكون الدولة فدرالية من حيث الاستقلالية وطبيعة المجتمع والنظام وغيرها، ثم دوافع قيام الفدرالية بشكل عام، والدوافع لقيام الفدرالية في العراق

مفهوم الدولة الفدرالية
هي تلك الدولة التي تتكون من عدة حكومات وسلطات محلية مستقلة وتختلف عن بعضها البعض في عدة امور وتتفق في بعضها الاخر ، او تلك الدولة المقسمة الى وحدات مستقلة اداريا ويكون لكل ادارة مستقلة سلطة على قاطنيها ضمن محيطها الاداري

بعبارة اخرى هي نظام اتحادي تتفق سلطتان او اكثر على اتحاد صلاحياتها او انشاء سلطة واحدة تقوم بتوزيع او تقسيم صلاحياتها على عدة سلطات متحدة مع البعض، حيث تقسم السلطات بين السلطة الاعلى اي المركزية وبين وحدات حكومية اصغر اللامركزية.
يهدف هذا النظام الى ضمان حقوق جماعات متنوعة ومختلفة من حيث العرق او اللغة او المذهب… الخ. بذلك يعطي حق المساهمة والمشاركة لجميع المجموعات في هيئات وسلطات الدولة ولذلك فهي النظام الانسب لدول متعددة القوميات والاقليات اي الجماعات المتنوعة ضمن حدود الدولة الواحدة
اذا الفدرالية هي استقلال ذاتي او داخلي ضمن حدود دولة معينة مع احتفاظ الكيانات المتعددة بهويتها الخاصة من حيث التكوين الاجتماعي اوالحدود الديموغرافية اواللغة اوالثقافة او الدين إلى جانب مشاركتها الفعالة في صياغة الدساتير ومن ثم صنع السياسات والقرارات

تعريف الدولة الفدرالية
ليس للفدرالية تعريف موحد بسبب اختلاف اراء المختصين حولها واختلاف طبيعتها وتطبيقاتها، لكن جميعهم متفقون على مضمونها و جوهرها ، وهي تتحدد في تقسيم السلطات والصلاحيات، واستقلال داخلي ضمن حدود دولة معينة .
في بادىء الامر لابد من توضيح كلمة الفدرالية اللاتينية الاصل حيث اشتقت من كلمة(foedus ) والتي تعني المعاهدة او الاتفاق وهناك من يرى بان الفدرالية اشتقت من(fides or trust) والتي هي نوع الاتفاق المبني على الثقة المتبادلة بين الاطراف (1) .
فعرفها الفقيه الالماني يلنك jilinek بانها “هي دولة سيدة تتالف من عدة دول غير سيدة وتنبثق سلطتها عن الدول التي تركب منها او التي تترابط فيما بينها بصورة تجعل منها وحدة سياسية”ـ 2 ـ
وكما يراها رونالد ل واتس بانها ” انظمة حكم سياسية مركبة تجمع بين وحدات قوية مكونة للحكومة والحكومة عامة قوية مع تمتع كل جانب بالسلطات التي يوكلها اليه الشعب من خلال الدستور” ـ 3 ـ
وعرف روجر ديفيدسون الفدرالية بانها ” نظام سياسي عالمي يقوم فيه مستويان حكوميان بحكم نفس المنطقة الجغرافية ونفس السكان”ـ 4 ـ
ويعرفها المحامي جميل عودة بانها “معاهدة تقوم بين طرفين متميزين او اكثر تجمع فيما بينهم روابط متينة، لها قدرة ذاتية على تحفيز الاطراف المعنية في سبيل البحث عن صيغة توافق مركب ووحدة قوية” ـ 5 ـ
وكانت الفدرالية عند الاغريق تعني ” نظاما للحكم يتشكل من اتحاد عدد من الولايات او الدول تتعايش معا دون انفصال ودون وحدة” ـ 6 ـ
وكما يعرفها الدكتور محمد هماوندي الفدرالية بانها “كاصبعين في يد واحدة تتلامسان ولاتتحدان” ـ 7 ـ
ويعرفها الفقيه مرسيل بريلو الفدرالية بانها ” اتحاد دول يخضع جزئيا لسلطة مركزية واحدة (السلطة الفدرالية) وتحتفظ جزئيا باستقلال ذاتي ودستوري واداري وقضائي ( سلطة الدول الاعضاء او المتحدة) ـ 8 ـ

طرق نشوء الدولة الفدرالية
هناك طريقتين لنشوء الدولة الفدرالية والتي هما الاتحاد والتفكيك، وناتي لتوضيح كلتا الحالتين.

ا- الاتحاد
يحدث عن طريق اتحاد سلطتين او اكثر تشترك شعوبها في ملامح اجتماعية او جغرافية او تاريخية او دفاعية -القوة- او بدوافع اقتصادية.. والخ بحيث تتنازل كل واحدة منهما عن بعض سلطاتها الداخلية والخارجية للكيان الجديد الذي ينشأ . اي تتوحد سيادتان تحت سيادة واحدة تسمى بالدولة الفدرالية كما حدثت في كل من الولايات المتحدة الامريكية وسويسرا والمانيا.
ففي الولايات المتحدة الامريكية مثلا، بالرغم من عوامل الافتراق والانفصال العديدة كالاختلاف في الجنسية والانتماء العرقي والاختلاف في موضوع الرقيق …….. تحققت الفدرالية بفضل الاشتراك في الاصل والدين واللغة ـ 9 ـ

ب- التفكيك
اي تقسيم سلطات الدولة البسيطة على سلطات جديدة اقليمية (داخلية)، وغالبا يحدث هذا التقسيم بسبب معانات شعوبها من مشاكل اجتماعية او سياسية او اقتصادية او ثقافية كاختلاف في القومية او في اللغة او في العادات او موارد والثروات … والخ كما حدث في المكسيك والارجنتين والبرازيل.

اسس النظام الفدرالي
للنظام الفدرالي اسس لا بد منها حيث تشكل ركيزة هذا النظام من اجل ترسيخ وحماية الحقوق ومن هذه الاسس (الاستقلال الذاتي) و (المشاركة). ونلخص في توضيح هذه الاسس.

ا- الاستقلال الذاتي
كما اشرنا اليه سابقا بان النظام الفدرالي جاء من اجل حماية الحقوق وضمانها لجماعات كانت تعاني من التهميش في بلدان ذات مجتمع متنوع، حيث كانت تتضارب مصالحهم وحقوقهم وبالتالي كانوا يحاربون بعضهم البعض، مما كان يولد حالات تهميش لطرف مقابل وقوع زمام الحكم بيد طرف اخر.
ان الاستقلال الذاتي هي من اسس النظام الفدرالي وبموجبها يدير كل طرف شؤونه الخاصة به وبدون اي تدخل من الاطراف الاخرى.
ويقع تحت هذا الباب اي (الاستقلال الذاتي) عدة امور اشار اليها الدكتور محمد عمر مولود ـ 10 ـ . بان الاستقلال الذاتي هي وجود استقلال دستوري وسلطة تشريعية مستقلة وسلطة تنفيذية اقليمية، وقضاء مستقل واستقلال مالي. ونوضح باختصار هذه الامور.

الاستقلال الدستوري
نقصد بالاستقلال الدستوري وجود اكثر من دستور داخل الدولة الفدرالية اي هناك تعددية في الدساتير حيث يوجد لكل اقليم فدرالي دستوره الخاص الى جانب دستور الدولة، ولكل دستور خصائصه وصلاحياته حيث تختص صلاحيات واختصاصات الدستور الاقليمي بالاقليم ذاته ويطبق فيها فقط دون غيرها من الاقاليم، على عكس دستور الدولة الفدرالية حيث يطبق على الاقاليم كافة دون استثناء احد الاقاليم منها. لكن علينا ذكر بانه يجب ان لا يكون هناك تعارض فيما بين الدساتير.

الاستقلال التشريعي
يتوجب وجود دستور مستقل هيئات اخرى مستقلة عن المركز والتي هي سلطة تشريعية مستقلة لتسن هذا الدستور، ويقع على عاتق هذه الهيئة اصدار وسن التشريعات الخاصة المتعلقة بالمنطقة اي الاقليم لتمشية وتسهيل شؤون المواطنين واقرار ما هو في مصلحة الاقليم.
وتختلف صلاحيات هذه السلطة من منطقة لاخرى ومن دولة الى اخرى حيث نجد في سويسرا وكندا يتم منح معظم السلطات التشريعية بصفة خالصة الى الحكومة الفدرالية. وعلى نقيض هذا نرى في كل من الولايات المتحدة الامريكية واستراليا ان السلطات الممنوحة بصفة خالصة للحكومة الفدرالية محدودة وضئيلة للغاية ـ 11 ـ

الاستقلال التنفيذي
مع وجود الدستور وسلطة تشريعية فلا بد من وجود سلطة تنفيذية لتنفيذ ما جاء في الدستور وما يصدر من السلطة التشريعية من قرارات وقوانين داخلية (اقليمية) كانت ام مركزية للتعامل مع الاطراف الخارجية. اظافة الى ادارة الاقليم وحمايته وابراز صوته والمطالبة بالحقوق التي لم تمنح لهم بعد او اذا تم تهميش او اقصاء اي حق لهم من الاطراف المعنية.

الاستقلال القضائي
ان من المهام الاساسية للقضاء هي حل المشاكل والحد من التجاوز على القانون ايا كان اقليميا او مركزيا، وان مهام و صلاحيات القضاء تختلف من مكان الى اخر، وغالبا ما يتحدد هذا من خلال الدستور حيث نرى بانه في بعض البلدان يختلف القضاء في الكثير من الامور من اقليم لاخر كما هو الحال في الولايات المتحدة الامريكية.
وسبب وجود قضاء مستقل هو وجود دستور وسلطات تشريعية وتنفيذية مستقلة بالاقليم اضافة الى وجود قيم وعادات مختلفة من اقليم لاخر.

الاستقال المالي
ان الاستقلال المالي هو في غاية الاهمية بالنسبة لاي سلطة كانت ولتطوير اي اقليم لان القيام بالمهام وتنفيذها يتطلب وجود اقتصاد قوي. لذلك لا بد من وجود استقلال مالي كامل او شبه كامل اي لا يمكن ان تكون مالية الاقليم مرتبطا بالمركز كليا لان ذلك يعرقل سير الامور في الاقليم من ناحية، ومن ناحية اخرى لدى بعض الاقاليم موارد مالية خاصة فليس من المعقول تهميش حقهم في هذه الموارد لان الهدف الرئيسي من هذه النظام هو اعطاء الحق لصاحبه.
اضافة الى هذا لا بد من وجود تنيسق بين السلطتين الاقليمية والمركزية لانه ليس من الانصاف ان يهمش حق المركز في الاموال التي تاتي من الاقليم باعتبار الاقليم جزء من المركز.وكل هذا يقع على ما نص عليه الدستور اي مدى نسبة الاستقلال المالي للاقليم.
وللشأن المالي اهمية كبيرة على كل الاصعدة وهو يمثل العمود الفقري لكل بلد وخاصة في الدولة الفدرالية كما يرى د.بول بوث “ان النظام المالي في الدولة الفدرالية يؤدي الى البروز ككيان اقتصادي داخلي كبير نسبيا، واداء دور مهم على المسرح العالمي مع المحافظة على المرونة اللازمة لتكيف خدمات الحكومة الاقليمية، بهدف الايفاء بحاجات اقتصادية واجتماعية خاصة” ـ 12 ـ

ب- المشاركة
كما ذكرنا سابقا بان المشاركة هي احدى الاسس التي يقام عليها النظام الفدرالي ونقصد بالمشاركة، المشاركة في قرارات المركز وادارتها حسب النسب، اي المشاركة بالاكثر للاكثر، وبذلك نبتعد عن التوازن في المشاركة، لكن تظل بعض القرارات والاختصاصات حسب التوازن اي الحق في القرار يعود للكل بالتوازي وليس على أساس المشاركة النسبية، ولكن في بعض الجوانب الاخرى يكون القرار حسب النسبة لكي لا يشكل ذلك اقصاء لحق الأكثرية. وباختصار تكون مصدر القرارات بمشاركة الجميع وفق هذا المبدأ مع تمثيل الجميع في الهيئات والقرارات التي تصدر في المركز.

دوافع القيام الفدرالية بشكل عام
بشكل عام هناك عدة عوامل او دوافع لقيام الفدرالية في المجتمعات المتنوعة خاصة، نذكر بعضها باختصار وهي :

ا- المساحة الشاسعة
بسبب المساحة الشاسعة للدولة التي تؤدي بدورها الى عدم قدرة السلطة السيطرة وتقديم كل ما هو مطلوب من خدمات وحاجات لسكانها الموزعين على مناطق بعيدة عن المركز ولتسهيل الامور الادارية تلجأ الدولة الى التحول من الدولة الموحدة الى المقسمة اتحادياً، حيث يعطي هذا التقسيم التقدم والتطور لتلك الوحدات شبه المستقلة بحيث تعطيهم صلاحيات كافية لاصدار قرارات وتسوية بعض الامور في مناطقهم وتقديم الخدمات اللازمة دون اللجوء الى المركز، لان السلطة في هذه الحالة تكون مقربة من مواطنيها عكس ما كان عليه في السابق بحيث كانت السلطة بعيدة ولم يكن بامكانها النظر وتقديم كل ما كان مطلوبا منها لمواطنيها بشكل سريع.
ومن الفدراليات التي انشأت بهذا الدافع هي (الاتحاد البرازيلي والارجنتيني والهندي والروسي والاندونيسي) حيث كانت كلها دولا موحدة ثم اصبحت دولا اتحادية نظراً لكبر مساحتها الجغرافية ـ 13 ـ

ب- التنوع في المجتمع
نقصد بالتنوع في المجتمع وجود اكثر من طائفة واحدة متجانسة في أي جانب كان من حيث اللغة او المعتنق او التاريخ او الاصول او الثقافة …والخ أي وجود قوميات واديان وطوائف متعددة في الدولة الواحدة الموحدة.
ونرى معظم مجتمعات دول العالم متنوعة بأصولها أو ثقافتها أو اديانها …والخ ، إذ نادراً ما نجد في دولة واحدة مجتمعاً متجانساً في اصوله وثقافته ..والخ، فيؤدي هذا الاختلاف عادة الى ظهور خلافات ولا سيما في الدول او المجتمعات التي لا يؤمنون بالديمقراطية خاصة اذا كانت طائفة منها تتفوق على الاخرين من حيث القوة او العدد، ففي هذه الحالة يتم تهميش حقوق الاخرين. اذ لا يؤدي وجود هذا التنوع اي وجود اختلاف في دين أوعرق أو مذهب او قومية والخ في المجتمعات إلى قيام معضلة سياسية وإلى بداية حرب أهلية، لكن يحدث هذا بسبب عدم الايمان بحقوق الاخرين وعدم وجود الديمقراطية.
اذ ليس من الممكن تحقيق مساواة لجميع الاطياف إلا في ظل الدولة الديمقراطية والتي يمكن أن توصف أيضاً بالدولـة المدنية، (بمعناه الواسع تشمل العلاقة ما بين الدولة والمجتمع)، بهذا المعنـى يقصد بها المـجتمع الـذي تنظم فيه العلاقة بين الدولة والمواطنين على أساس القانون والحقوق، وهو بالتالي نقيض المجتمع العسكري، ولا يمكن تحقق ذلك إلا في ظل وجود المساواة والحرية والعدالة والاعتراف بالآخر وحل الخلافات بالطرق السلمية، ولذا فان افضل حل يكمن في النظام الفدرالي الذي يعتبر نظاماً مثالياً للدولة الحامية لحقوق جميع اطياف المجتمع التعددي، حيث يعطي جميع الاطياف شيء من الاستقلالية بحيث يمكنها اشباع حاجاتها ورغباتها القومية والدينية و..الخ. اضافة الى توحيد وعدم انقسام البلد حيث يتحد ويجتمع الجميع في هرم السيادة.
ونرى ذلك حلا من خلال النظر الى تجارب سابقة، حيث تبنت هذه الفكرة دول عديدة (اشتراكية وغير اشتراكية) بدوافع مختلفة منها :

بدوافع القومية
من دوافع قيام الفيدرالية في حالة تفكك الدولة البسيطة الاختلاف في القومية والتي هي في صدارة مشاكل الدول التي تعيش حالة لا تجانس وعنف، حيث تفرض القوميات الكبيرة على الصغيرة ضغوط مع عدم الاعتراف بهم كقومية مستقلة ذات خصوصية مما يولد حالات عنف ومشاكل.في هذه الحالة ياتي تبني النظام الفدرالي كانسب وسيلة للعيش في مجتمع مختلف القوميات بحيث يفسح المجال لتلك التعدديات بالمحافظة على خصوصياتها القومية او اللغوية او الدينية ـ 14 ـ
مثلا الاتحاد السوفيتي الذي تاسس على انقاض امبراطورية روسيا القيصرية التي كانت تضم عشرات القوميات والاقليات القومية. وقد شرع اول دستور للاتحاد السوفيتي عام 1924م ، تبعه دستور اخر عام 1936م. وينص الدستور السوفيتي على ان اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية دولة فدرالية تضم 15 جمهورية اشتراكية سوفيتية متساوية في الحقوق. وتوجد في اربع من تلك الجمهوريات جمهوريات اخرى تتمتع بالحكم الذاتي ، كما توجد ضمن جمهورية بيلوروسيا اقاليم قومية ـ 15 ـ ، حيث لكل جمهورية لغتها القومية التي تعتبر لغة رسمية. ووصف لينين الفدرالية بانها “خطوة نحو اقوى توحيد للقوميات المختلفة في دولة سوفيتية واحدة” ـ 16 ـ
وفي كندا ايضا فرض الصراع القومي الطويل بين الانكليز والفرنسيين الى تبني الحل الفدرالي ـ 17 ـ  ، حيث تشكل في بادىء الامر من اربع مقاطعات منها مقاطعتين ذو طابع قومي لغوي والتي هما (اونتريو) التي تضم اغلبية من المتحدثين بالانكليزية و (كيبك ) التي تضم اغلبية من المتحدثين بالفرنسية، اضافة الى مقاطعتين بحريتين لاغراض تجارية ودفاعية.
وفي يوغسلافيا كان للدافع القومي دورا اساسيا لتبني النظام الفدرالي بحيث يمنح الدستور الفدرالي مجلس القوميات حقوقا وواجابات كثيرة لضمان المساواة بين شعوب يوغسلافيا وحماية حقوق الجمهوريات، فينبغي مثلا دعوة هذا المجلس للانعقاد عند نظر المجلس الفدرالي في أي مشروع قانون لتعديل الدستور الفدرالي او أي مشروع قانون اخر يمس حقوق القوميات والجمهوريات التي يضمنها الدســـتــور الــــفـــدرالي ـ 18 ـ . كما يعطي صلاحية انشاء مناطق ذات حكم ذاتي محلي لدساتير جمهورياتها وفق ما جاء في المادة -6 – من دستور يوغسلافيا لعام 1992 ـ 19 ـ
كما كان للقومية المشتركة دور مهم في قيام الاتحاد الفدرالي الالماني ـ 20 ـ

بدافع اللغة
من الدوافع الاخرى لقيام الفدرالية او احدى اسس قيام التقسيمات الفدرالية هي اللغة، حيث غالبا ما يحرم البعض من ممارسة لغتهم الام وتفرض عليهم لغة أخرى، والتي هي في الغالب لغة الأقوى أي لغة الطبقة المسيطرة على السلطة. كما هو الحال في تركيا حيث يحرم ابناء القوميات الاخرى من ممارسة لغتهم الام مهما كان عددهم وخصوصياتهم، فبالرغم من ان عدد الكرد في تركيا يتجاوز العشرة ملايين في الجزء الجنوبي الشرقي من البلاد فان لغتهم ممنوعة ومحرمة.
وبعكس ما اسلفناه نجد في الهند، حيث يوجد مجتمع متنوع ومتعدد اللغات، انه كان للغة دور مهم في تقسيم الدولة فدرالياً. حيث تم ما بين عامي 1965-1966م اعادة تنظيم الولايات على اساس عرقي لغوي الى حد كبير وفي حالة واحدة فقط (البنجاب) على اساس ديني لغوي، ومنذ ذلك الحين جرت بعض التعديلات في عدد الولايات ـ 21 ـ . حيث ادى هذا التقسيم الى وجود ولايات قوية بسبب وجود رابط لغة مشتركة بين افراد مجتمع كل ولاية. وكما هو الحال في كندا حيث هناك طائفتان احداهما يتحدثون الانكليزية والاخرى الفرنسية بحيث كان للغة دور في تقسيم الدولة.

بدوافع دينية
من المشاكل الاخرى هي المعتنق حيث نجد الكثير من المعتنقات في العالم، منها ما يكون ذو نفوذ كبير وواسع الانتشار ومنها ما يملك نفوذ صغير وبسيطة، بحيث يتم منع المعتنق او الديانة ذات النفوذ الصغير من قبل الاقوياء.
كما تظهر لنا مشكلة المذاهب في الديانة والواحدة حيث توجد في ديانة ما اكثر من مذهب، مثلا السنة والشيعة في العراق بالنسبة للدين الاسلامي و الكاثوليكية والبروتستانتية بالنسبة للديانة المسيحية.
ويكون لهذا الدافع دور في اقامة تقسيمات فدرالية ونجد هذا في الهند، مثلا تم انشاء ولاية (البنجاب) على اساس ديني لغوي ـ 22 ـ

جـ – المشاركة في السلطة
لكل اقلية او قومية او جماعة متجانسة ذات خصوصيات مستقلة عن الاخرين الحق في المشاركة في السلطة والمطالبة بحقوقه ، لكن غالبا ما يحرم البعض من ممارسة هذا الحق اما في الترشيح او التصويت. كما هو حال الكرد في سوريا حيث يخضعون لسلطة الحكومة السورية وليس لهم حق في المشاركة في السلطة ولا حتى في العملية الانتخابية من حيث التصويت، لانهم من قومية اخرى غير قومية السلطة.بينما تشير دساتير الكثير من الدول بان التصويت حق للجميع دون تميز.

د – اجتماعية او ثقافية
في البداية لابد ان نحدد مفهوم الثقافة، حيث حدد تايلر مفهوم الثقافة بانه “ذلك الكل المركب المعقد الذي يتضمن المعارف والعقائد والفن والاخلاق والعرف والتفاليد والعادات وجميع القدرات الاخرى التي يستطيع الانسان ان يكتسبها بوصفه عضوا في مجتمع معين”ـ 23 ـ
لكل جماعة ثقافة مختلفة عن الاخرين من حيث العادات والتقاليد…. والخ، وبها يضع المجتمع لذاته نمطا لحياتهم. وهذه الثقافة تكتسب من خلال العيش الطويل داخل جماعة معينة او من خلال اصولهم. وتحرم دول جماعات من ممارسة ثقافتهم وهو ما يؤدي الى تفكيك الدولة البسيطة وتكوين دولة اتحادية فدرالية او عبر اتحاد عدة دول بسيطة مكونة لاتحاد فدرالي.

هـ – عوامل جغرافية
العامل الجغرافي سبب ودافع مهم لقيام الفدرالية في الكثير من الدول حيث يقول(Wheare K.C) في كتابه الحكومة الفدرالية : يعتبر التباعد الجغرافي سببا مهما لقيام الفدرالية لان معظم الفدراليات التي نشات في العصر الحديث بوجه خاص كانت عبارة عن كانتونات او ولايات او مقاطعات متباعدة نسبيا كما هو الحال بالنسبة للتباعد الموجود بين الولايات المتحدة الامريكية والاسترالية والمقاطعات الكندية، فيما نجد بان الحدود الجبلية قسمت سويسرا الى كانتونات منفصلة ـ 24 ـ . ويأتي هذا التوحد والاتحاد لاغراض معينة كالدفاع – القوة- او الاقتصاد اضافة الى ابقائهم منفصلين ومستقلين لاغراض اخرى.

و- دافع القوة / لاغراض دفاعية
كانت لهذا الدافع دور مهم في تبني النظام الفدرالي من قبل العديد من الدول ، حيث نجد دور هذا الدافع في قيام الفدرالية في سويسرا والولايات المتحدة الامريكية وكندا. وقد دفعت رغبة المجتمعات (قديماً) في الدفاع عن نفسها او في الدفاع المشترك الى ظهور انظمة اشبه بالنظام الفدرالي الحالي.
كما نجد ذلك في اليونان القديمة حيث كان هناك نظامي (السايماجيا) و(السايمبوليتيا)ـ 25 ـ ، وكان مضمون كلا النظامين هو الدفاع المشترك، وكان ذلك يفرض وجود سلطتين (الدفاع وشؤون الخارجية) تعود للسلطة الاعلى والشؤون الداخلية للسلطة الادنى، وكان المواطنون ملتزمون تجاه كلتا السلطتين.
اما في الولايات المتحدة الامريكية فقد اخذ هذا الامر صيغة الخوف من شر السياسات الاوروبية ، لانها كانت تخشى من ان بلدا جديدا ضعيفا ومقسما في ظل مواد الاتحاد الكونفدرالي سوف يقع ضحية للاطماع والغزوات العسكرية الاوروبية الاكيدة ـ 26 ـ
وفي كندا وبصورة مدهشة للعديد من الامريكيين فان الخشية والخوف المتعلق بالامن الوطني كان ياتي من الولايات المتحدة أي ان كندا كانت تخشى من شر الولايات المتحدة ـ 27 ـ
واتحاد سويسرا انشئ خشية من القوى الكبرى المجاورة لها والتي هما النمسا والامبراطورية الجرمانية، بدافع الحاجة الى القوة العسكرية والدبلوماسية الكافية حتى لا تكون لقمة سائغة للجيران الاقوياء الطامعين ـ 28 ـ

ز- عوامل اقتصادية
ان الاقتصاد هو في غاية الاهمية لأي سلطة كانت وهو يمثل العمود الفقري لكل بلد وله تاثير مباشر على كل الاصعدة في الدولة، لان القيام بالمهام وتنفيذ الواجبات يتطلب وجود اقتصاد قوي، وتحدد حجم الموارد الاقتصادية حجم المسؤوليات والمهام التي بامكانها ان تقوم به. وغالبا ما يتـعذر وجود منطـقـة صغيرة غـنية بالثروات لتكون مصدرا قويا للاقتصاد، ولـذلك لابد من اللجـوء الى الغير لاشباع الحاجات.
وكانت اهم دوافع اقامة الفدرالية في الولايات المتحدة الامريكية وكندا واستراليا السيطرة على الاقتصاد وتقليل الحواجز الحدودية على التجارة ما بين المقاطعات.. حيث حقق اقامة الاتحاد التقدم والازدهار الاقتصادي مما انعكس ايجابا على سائر الدول الاعضاء، وجاءت اقامة الاتحاد الفدرالي الامريكي عام 1787 من ولايات زراعية (الولايات الجنوبية) وولايات صناعية (الولايات الشمالية) ـ 29 ـ
و يرى د.بول بوث في هذا الشان بان “الدولة الفدرالية تؤدي الى البروز ككيان اقتصادي داخلي كبير نسبياً، واداء دور مهم على المسرح العالمي مع المحافظة على المرونة اللازمة لخدمات الحكومية الاقليمية، بهدف الايفاء بحاجات اقتصادية واجتماعية خاصة” ـ 30 ـ

ح – عوامل سياسية
من احد العوامل التي دعت من الناحية العملية الى اقامة الفدراليات هو ارتباط المجتمعات او الدول بروابط سياسية سابقة على هذا الاتحاد كان تكون اعضاء في اتحاد كونفدرالي سابق، وهذا ما كانت عليه المستعمرات الامريكية الثلاثة عشر والتي كانت مشتركة في الكونفدرالية الامريكية بعد استقلالها ومنذ 1778 حتى اعلانها النظام الفدرالي عام 1787، وكذلك اشتركت الكانتونات السويسرية في اتحاد كونفدرالي منذ سنة 1815 حتى عام 1848 وهو تاريخ اقامة الفدرالية السويسرية. وكما هو الحال بالنسبة للدول الاعضاء التي كونت الامبراطورية الالمانية ذات النظام الفدرالي 1871 حيث كانت مرتبطة باتحاد كونفدرالي كان يدعى بالاتحاد الجرماني منذ عام 1815 حتى عام 1866. او كأن تكون هذه الدول الاعضاء متعايشة سابقا مع بعضها كأجزاء من امبراطورية واحدة كما هو الحال بالنسبة للمستعمرات الكندية او الاسترالية او الولايات الهندية ـ 31 ـ ، كما وحد الدستور الاسترالي الفدرالي لعام 1901 عددا من المستعمرات البريطانية ذات الحكم الذاتي ـ 32 ـ

ط – الديمقراطية والسلام
ان قيام الفدرالية في دولة ما يسمح بترسيخ وتعزيز الديمقراطية ومنع ظهور دكتاتوريات سواء كانت فردية أو طائفية أو قومية أو عسكرية.. والخ. حيث ان تمثيل المجموعات المتنوعة في مؤسسات الدولة الفدرالية هو تجسيد للعدالة. إضافة إلى ضمان تعامل السلطات المحلية بشكل أفضل وبحرية أكثر مع مواطنيها ضمن حدودها.
كما أن لقيام الفدرالية دور في ترسيخ السلام والأمن في المناطق التي تسود فيها الحروب والفوضى لأسباب عديدة ذكرناها سابقاً إضافة إلى منع الظلم الذي يقع على طائفة ما في دولة ما.

ي – دوافع اخرى
إضافة إلى الدوافع التي ذكرناه، هناك عدة دوافع أخرى لقيام الفدرالية لان لكل منطقة خصوصياتها وحاجاتها ولذلك تختلف دوافع قيام الفدرالية من منطقة لأخرى.
كما ان بامكان الحكومات الإقليمية التكيف مع الاوضاع بحيث تمكن الادارات المحلية من التعامل بشكل افضل وبحرية اكبر ضمن اقاليمها، حيث بامكانها الاتصال المباشر مع سكان الاقليم وبالتالي تحقيق معرفة اوسع بمشاكل وطموحات تلك المنطقة لضمان تفعيل اكبر ضمن عمل المؤسسات الحكومية.
فالفدرالية تجسيد للتعددية وهي تقطع الطريق أمام ظهور دكتاتوريات سواء كانت فردية او طائفية أو قومية أو عسكرية.
اضافة الى هذا يرى البعض بان الفدرالية يمكن ان تقام اذا كانت هناك جماعات تشكل كتلة كبيرة وتكون محصورة في رقعة جغرافية محددة ولا تكون مشتتة على ان يكون هنالك تجانس بينها.

دوافع كردية لقيام الفدرالية
لم يملك الفرد الكردي في العراق حقوق مساوية للفرد العربي، فكان محروما من الكثير من حقوقه وحتى في بعض الاوقات لم يكن هناك اعتراف بوجوده القومي رغم وجوده مع القومية العربية ضمن حدود الدولة العراقية منذ عشرينات القرن العشرين، حيث لم تعترف السلطات العراقية في كثير من المراحل بحقوق الكرد ولم تشر الى وجودهم.وقد جلب ذلك على العراق صراعات طويلة ومشاكل سياسية واقتصادية كبيرة.
وبعد مطالبات مستمرة من الكورد بحقوقهم المشروعة تغير الوضع فاشارت دساتير الدولة العراقية الى وجود الكرد كقومية لها حقوقها، لكن كل ذلك ظل الى حد بعيد حبر على ورق، حيث لم يغير ذلك الاعتراف بوجودهم من ظروف حياتهم على الارض وامكانية مشاركتهم في السلطة.
وفي كثير من الفترات تم الاعتراف بحقوق الكرد في العراق وتم البحث في مطالبهم لكن سرعان ما كان يتم التراجع عن ذلك كما حدث بعد اعلان تشكيل منطقة حكم ذاتي للكورد في سبعينات القرن العشرين. فلم يكن للاعلان وجود على ارض الواقع ولم يساهم في تحسين ظروف الكرد ، وظل هذا الاعتراف (منطقة الحكم الذاتي في كردستان العراق) الى عام 1991 حيث اندلعت انتفاضة اذار وتم تحرير معظم مناطق كردستان العراق ومن ثم تم الدعوة الى انشاء الاتحاد الفدرالي في العراق من قبل الكرد في 1992، وتم تشكيل حكومة محلية -رغم عدم اعتراف الحكومة العراقية بها- ادارت شؤون ما عرف باقليم كردستان وفق النظام الفدرالي حتى عام 2003 تاريخ تغير – سقوط – النظام العراقي ومن بعدها تم الاعتراف بحكومة اقليم كردستان.
ودوافع الكرد لقيام الفدرالية في العراق كثيرة منها ( تاريخية، قومية، لغوية، ديمقراطية، اقتصادية، جغرافية، المشاركة في السلطة).
تاريخياً تعود جذور اقرار النظام الفدرالي بالنسبة للكرد إلى مرحلة تأسيس الدولة العراقية التي تزامنت مع التوقيع على معاهدة سيفر في العاشر من اب 1920 بوصفها واحدة من المعاهدات التي اسفرت عن مؤتمر الصلح في باريس. فقد خصص للقضية الكردية في المعاهدة المذكورة كل القسم الثالث من بابها الثالث الذي يحمل عنوان (كردستان) ويتألف من ثلاثة بنود (62، 63، 64،) اقرت حق الكرد في تأسيس دولتهم المستقلة ـ 33 ـ  . لكن لم تدخل هذه المعاهدة مجال التطبيق وحلت محلها معاهدة لوزان 1923م.
اضافة الى ذلك كان هناك بيان وجه للكرد من قبل الحكومة البريطانية والعراقية في 22 كانون الاول من عام 1922 بتشكيل حكومة كوردية مستقلة داخل حدود العراق. حيث جاءت فيه (تعترف الحكومتان البريطانية والعراقية بحق الاكراد القاطنين ضمن اطار الحدود العراقية تشكيل حكومة كردية ضمن هذه الحدود، وتامل الحكومتان ان تتوصل مختلف العناصر الكردية – وبصورة اسرع قدر الامكان- الى اتفاق بينها حول الاشكال التي يجب ان تتخذها هذه الحكومة، وحول الحدود التي تستعمل ضمنها بان يرسلوا ممثلين مسؤولين عنهم الى بغداد لبحث علاقاتهم الاقتصادية والسياسية مع الحكومتين البريطانية والعراقية) ـ 34 ـ 
تضاف الى ذلك العديد من المعاهدات والاتفاقيات والوعود، وكلها لم تدخل حيز التفيذ وان نفذ بعضها كقانون الحكم الذاتي عام 1974م لكنه كما اسلفنا ظل مجرد ادارة وهمية لا صلاحيات لها ولا قرارات بل كان كل شيء يعود للمركز.
اما الدوافع القومية فان الكرد قومية مستقلة لها خصوصيتها وتراثها وتاريخها وعاداتها، أي لا علاقة لها بالقومية العربية التي سيطرت على السلطة في العراق، ولهم الحق بادارة مستقلة لشؤونه العامة وفق ما تقرره الاصول العامة للتشريعات والمبادىء العامة للقانون، إضافة إلى أن لهم لغتهم الخاصة (الكردية) والتي من حقهم التعلم والتحدث بها، وجغرافيا فان (كردستان) هي ارض الكرد التاريخية والتي سكنوها منذ مئات السنين والتي تجزأت الى اربع دول لاسباب عديدة منها المصالح الاستعمارية. ولهم الحق في التمتع بادارة مستقلة لمناطقهم وحسب متطلبات مجتمعهم.حيث يؤدي هذا الاستقلال الذاتي الى حماية حقوق جميع اطياف المجتمع . كما هو الحال في كل من الاتحاد السوفيتي وكندا وغيرها وان لم يتشابه الوضع تماما.
ومن ناحية اللغة وكما ذكرنا فان للكرد لغة خاصة بهم، فهم مختلفون عن البقية ولهم الحق في ادارة مستقلة كما هو الحال في الهند التي انقسمت الى حد كبير على اسس لغوية .
ومن الدوافع الديمقراطية نجد ان العراق لم يشهد استقراراً وأمناً منذ عشرات السنين، بسبب عدم وجود حكم ديمقراطي حيث كان الحكم ينقلب ما بين فردي وعسكري و ديكتاتوري اوقع الشعب العراقي عموماً والشعب الكردي خصوصاً في ويلات حروب وحالة عدم استقرار طويلة، لذا فان تغيير نظام الحكم في العراق الى النظام الفدرالي شيء اساسي لمنع تكرار الدكتاتوريات وحالة عدم الاستقرار.
في ظل الحكومات التي حكمت العراق لم يكن الكرد مشاركون حقيقيون فيها ولم يكن صوتهم مسموعاً، وان كانت هناك اسماء كردية في الحكومات العراقية فلم يكن لها دور ولم تكن ممثلة للشعب الكردي بل ممثلبين لانفهسم ، ولم يكن هناك اهتمام بمناطقهم في أي جانب بل كانت تعيش التهميش والتخريب.
ولكي لا تتكرر (عدم المساواة ، المقابر الجماعية، التعريب، الترحيل، التخريب، تسلط فئة على اخرى) ولكي ينعم الشعب العراقي بأجمعه بالأمان والسلام ويحقق التطور ويسود التسامح لابد من تغيير طبيعة الحكم السابقة الى نظام حكم ديمقراطي تعددي فدرالي يضمن العدالة والمساواة، وهو ما يمكن ان يضمن عدم استمرار الحروب وعدم تقسيم البلاد الى دول صغيرة .
فالفدرالية هي أفضل الأشكال الملائمة للدول ذات القوميات المتعددة لضمانها للحقوق وتحقيقها للمساواة حيث تعتبر وسيلة مثلى لترسيخ الوحدة الوطنية وسيادة القانون.
اما الدوافع الاقتصادية فان اقليم كردستان غني بثروات طبيعية ومعدنية كالنفط والكبريت، ومن الناحية الزراعية فهو منطقة خصبة ويمكنها ان تشكل مصدر انتاج زراعي للعراق باجمعه، اضافة الى الجانب السياحي الذي قد يشكل مصدر جيد للواردات.
وجغرافياً فان الكرد عبر تشكيلهم لحكومة محلية تكون قريبة من شعبها ستتمكن من توفير حاجاته المتعددة وهي ستكون على معرفة اوسع بمتطلباته، اضافة الى انهم جماعة تشكل كتلة كبيرة تعيش في رقعة جغرافية محددة.
ان للكرد دوافع كثيرة لادارة امورهم باستقلالية شبه تامة في اقليم مستقل اداريا عن المركز بسبب متطلبات وحاجات وخصوصيات المجتمع الكردي الذي له الحق في مشاركة السلطة وادارة اموره بنفسه حسب ما يراه هو له من دون تدخل خارجي من المركز.
وهذا الحق يمكن ان تتمتع به فئات اخرى لها خصوصيتها، القومية او الدينية او الجغرافية، تعيش في المجتمع العراقي.
ومن التجارب التي سبقتنا في العمل بالفيدرالية نلاحظ أن الدول التي عاشت في ظلها تتمتع شعوبها برخاء ومستوى معاشي وسعادة اكبر، ويحلم مواطنو الكثير من الدول في أن يعيشوا في البلدان التي اخذت بخيار الفدرالية.

الهوامش والمصادر
ـ 1 ـ لطيف مصطفى امين، الفيدرالية وافاق نجاحها في العراق، السليمانية، 2006، ص13
ـ 2 ـ محمد عمر مولود،الفدرالية وامكانية تطبيقها في العراق، اربيل،2000، ص 235
ـ 3 ـ رونالد ل واتس، نماذج المشاركة الفدرالية في السلطة، بيروت، 2006، ص 4
روجر ديفيدسون، الفدرالية، www.hrinfo.net ـ 4 ـ
جميل عودة ، حول الفدرالية، www.shrsc.com ـ 5 ـ
ـ 6 ـ د.محمد هماوندي، الفدرالية والديمقراطية للعراق، اربيل،2002 ، ص37
ـ 7 ـ د.محمد هماوندي، مصدر نفسه، ص37
ـ 8 ـ د. محمد عمر مولود، مصدر نفسه، ص 234
ـ 9 ـ د. محمد عمر مولود ، مصدر نفسه، ص 386
ـ 10 ـ د.محمد عمر مولود، مصدر نفسه ، ص263-270
ـ 11 ـ رونالد ل. واتس، الانظمة الفدرالية، كندا،2006، ص48
ـ 12 ـ د.بول بوث، دليل وجيز الى التدابير المالية في الدول الفدرالي، اوتاوا، 2005، ص4
ـ 13 ـ لطيف مصطفى أمين، مصدر نفسه، ص50
ـ 14 ـ محمد عمر مولولد، مصدر نفسه، ص 387
ـ 15 ـ د.نوري طالباني، حول مفهوم النظام الفدرالي، ط2، اربيل،2005،ص29-30
ـ 16 ـ لطيف مصطفى أمين، مصدر نفسه، ص50
ـ 17 ـ لطيف مصطفى أمين، مصدر نفسه، ص50
ـ 18 ـ د.نوري طالباني، مصدر نفسه ، ص25
الدستور اليوغسلافي، مترجمة عن www.montenet.org ـ 19 ـ
ـ 20 ـ د. محمد عمر مولود ، مصدر نفسه، ص 386-387
ـ 21 ـ رونالد ل. واتس، الانظمة الفدرالية، كندا،2006، ص36
ـ 22 ـ رونالد ل. واتس، الانظمة الفدرالية، كندا،2006، ، ص36
ـ 23 ـ محمد حسين محمد شواني،التنوع الاثني والديني في كركوك، اربيل، 2006، ص33
ـ 24 ـ د. محمد عمر مولود، مصدر نفسه، ص 384
ـ 25 ـ د. محمد عمر مولود، مصدر نفسه، ص219
ـ 26 ـ د. محمد عمر مولود، مصدر نفسه، ص 381
ـ 27 ـ د. محمد عمر مولود، مصدر نفسه، ص381
ـ 28 ـ د. محمد عمر مولود، مصدر نفسه، د ص 434
ـ 29 ـ د. محمد عمر مولود، مصدر نفسه، ص 382
ـ 30 ـ د.بول بوث، مصدر نفسه، ص4
ـ 31 ـ د. محمد عمر مولود ، مصدر نفسه، ص 383
ـ 32 ـ رونالد ل واتس، الانظمة الفدرالية، كندا،2006، ص32
هاتف الاعرجي، حق للشعب الكردي في تقرير مصيره بنفسه،www.salamcenter-iraq.com ـ 33 ـ
ـ 34 ـ عبدالرزاق الحسني، تاريخ الوزارات العراقية،ج1، طبعة السابعة الموسعة والمزيدة، ص277

_______________________________

نشرت في مجلة (افاق سبيريز) العدد (3) نيسان 2008

Comments are closed.