رأي حول اللغة الكوردية الموحدة

رشيد فندي

تعتبر اللغة عنصرا” رئيسيا” من عناصر توحيد أية أمة، وخاصة ألأمة الكوردية التي مرت عبر تاريخها بمختلف الأحن والمحن على ايدي خصومها وأعدائها، الذين حاربوا اللغة الكوردية اول ما حاربوا، ونعتبر نحن بقاء اللغة الكوردية على هذه الدرجة من النقاء والحيوية والصمود امام كل انواع المحاربة هذه دليلا”ساطعا” على حيوية الشعب الكوردي نفسه ومقدرته على الحفاظ على لغته رغم تلك المعمعة التي جرت عليه

استطاع الأعداء، من تقسيم كوردستان من الناحية السياسية منذ القدم، واعادوا تقسيمها بعد الحرب العالمية الأولى بشكل جديد او باشكال جديدة، بحيث لعبت تلك الحدود السياسية الدولية التي أصطنعوها، دورا”سلبيا” في موضوعة اللغة وشؤونها، بحيث خلقت نوعا” من الحواجز في التواصل اللغوي بين ابناء الكورد في اجزاء كوردستان المختلفة، ناهيك عن سعة رقعة بلاد كوردستان وترامي اطرافها ووجود العديد من الحواجز الطبيعية كالجبال والأنهار والوديان، التي كانت تزيد في تلك الأيام من التباعد او قلة الأتصال بين ابناء الشعب الواحد، ولنضرب مثالا” على ذلك ونقول، كم كان عدد المرات التي يزور فيها ابن من ابناء دياربكر مدينة السليمانية مثلا”، او ابن من ابناء كرماشان مدينة دهوك مثلا”..والخ .
وبذلك تكونت عدة لهجات كوردية استخدمها الكورد في مناطقهم لتسيير حياتهم اليومية، ناهيك عن أنتفاء وجود لغة واحدة مكتوبة او مدوّنة تجمعهم جميعا”، وبذلك تفاوتت اللهجات المختلفة في درجة قوّتها ورقعة المساحة التي تحتويها .. ولكننا من جانبنا نعتبر تعدد هذه اللهجات امرا”طبيعيا”، لابل ندرجها ضمن عناصر القوة والغنى والأثراء في لغتنا، فوجود هذا العدد الغزير من المفردات والمصطلحات في اللغة دليل صحة وعافية وثروة واغناء .. وبرزت من تلك اللهجات العديدة لهجتان اثنتان، تسيدتا ساحة اللغة الكوردية، وهما اللهجة الكرمانجية الشمالية، والكرمانجية الجنوبية، أذ دخلتا ميدان الصحافة والأعلام، وتم تاليف الكتب الأدبية ودواوين الشعر بهما، ودخلتاميدان التربية، فأصبحتا لغة التعليم والتدريس وغيرها ..
اننا ودون ان نحاول اهمال اللهجات الأخرى نقول، ان هاتين اللهجتين تقويان يوما بعد يوم وان خدمتهما تصب في مصلحة خدمة اللغة الكوردية، ونحن اكمالا”لتلك الخدمة نحاول التقريب بين اللهجتين الرئيستين، ولانقول الجمع بينهما، وان ذلك التقريب موجود اصلا”بين اللهجتين كما هو معلوم، ويعرف تلك الحقيقة كل من يجيد اللهجتين من الكورد، بينما لايعرف بدرجة القرابةتلك من يعرف لهجته فقط، ولا يحاول تعلم لهجة رئيسية اخرى .. وعلى ذكر تلك القرابة الموجودة بين اللهجتين، كان المرحوم (شكور مصطفى) يناقشني على ذلك ونحن في المجمع العلمي الكوردستاني، فعندما كنت اقول له ان بين 70-80% من مفردات اللهجتين ومصطلحاتها متشابهة، كان يقول، لا بل ان 90% منها متشابهة، ومن المعلوم ان كلينا يجيد اللهجتين الرئيسيتين،لذ ا نرى من واجبنا جميعا” ان نقرب بينهما بشكل اكثر ..
ولقد قلت في احدى الندوات اللغوية لي، التي القيتها في مركز كاوه الثقافي في اربيل قبل سنوات، ان من يعمل منا في مسألة اللغة الأدبية الموحدة سواء في الميدان التربوي في وضع او ترجمة المناهج التربوية او في الميادين الأخرى، يجب ان ينطبق عليه شرطان، الأول ان يعرف اللهجتين بشكل جيد، لكي يعرف نسبة التشابه والأختلاف بينهما ومواطن القوة والضعف في اي منهما، والشرط الثاني ان يكون مخلصا”للموضوع، اذلاينفع في هذه المسألة، من كان متشنجا”او متطرفا” او جاهلا”في تاريخ اللغة الكوردية، او مدفوعا” من جهة مشبوهة !!
بذلك نستطيع ان نخطو خطوات جدية في طريق تكوين اللغة الأدبية الموحدة، التي لم تتكون لحد الآن (حسب رأيي). ومن باب المناقشة اقول، اننا نملك الآن لهجتين ادبيتين موحدتين، وليس لغة ادبية موحدة، فأذا قيل بان الكرمانجية الجنوبية قد أصبحت اللهجة الرئيسة في معظم كوردستان العراق، فأنني اقول بأن الكرمانجية الشمالية أيضا” قد اصبحت اللهجة الرئيسة لكوردستان الشمالية والغربية ومنطقة بهدينان في العراق ومعظم الكورد في اوروبا، ولايمكن في مسألة مهمة مثل مسألة اللغة الموحدة ان نفكر في كوردستان العراق فحسب، فأن اللغة هي عنصر قومي اساسي، لايقف امام الحدود المصطنعة التي خلقها اعداء الكورد، بل يجب ان نفكر في اللغة الكوردية في عموم كوردستان، وان نضع الخطط بعيدة المدى من اجل العناية باللغة الكوردية في ارجاء كوردستان ..فالأهتمام باللهجات الكوردية المختلفة وخاصة اللهجتين الرئيسيتين مطلب قومي ملح، وليس خطة آنية مستعجلة ..
لقدلعبت ثورة ايلول دورا” مهما، في مسألة التقريب بين اللهجتين منذ عام 1961م، أذ كان البيشمركة الأبطال من المتكلمين باللهجتين على الأغلب، يختلطون في جبهات كوردستان المختلفة في ارض كوردستان، كما كان الرؤساء والمرؤوسون من الطرفين، وكانت القضية التي يقاتلون من اجلها اهم واقدس من التحدث بهذه اللهجة او تلك، كما لعبت اذاعة الثورة ومنشورات الثورة وكوادرها دورا”مهما” في تقريب وتوحيد هذه اللهجات .. اما بعد الأنتفاضة المجيدة في عام 1991 فقد تسارعت وتيرة التقريب والتداخل، وذلك بفضل السياسة الأعلامية التي اتبعتها الأحزاب الكوردستانية في وسائل النشر فيها، اذ اعتمدت اللهجتين الرئيسيتين في نشرات الأخبار والبرامج في التلفزيون والراديو، وكذلك النشر في الجرائد والمجلات وغيرها، وبذلك ظهر مناخ صالح لتداخل اللهجتين واصبحت اذن المستمع الكوردي وعينه تألفان مرادفات ومفردات اللهجات الكوردية من غير لهجته، وهذه حالة صحية راقية ووعاء نظيف لأحتواء اللغة الكوردية الموحدة المأمولة…
نعم هناك بعض الأختلافات في قواعد اللهجتين، مثل وجود حالة المذكر والمؤنث بقوة في الكرمانجية الشمالية وعدم وجودها تقريبا” في الجنوبية، وهناك اختلاف في موضوع استعمال الضمائر في اللهجتين، ولكن مقابل ذلك، فمعظم الحالات الأخرى هي حالات تشابه اوتطابق ,لذا فحتى هذه الأختلافات لاتقف حجر عثرة امام التقريب او حتى التوحيد ..
ولو اردت ان ابدي رأيي في موضوع التقريب والتوحيد دون الأيغال في التفاصيل المملة لقلت : في البداية يجب ان نفرق بين الحالة العامة والحالة التربوية، واقصد بالحالة التربوية، حالة لغة الكتاب المدرسي، في المراحل الدراسية المختلفة، ولنبدأبها اولا” .
يجب ان تكون لغة الكتاب المدرسي لغة سهلة مبسطة غير معقدة ومفهومة من الطالب، ولا يجب ان تكون سهلة ميسورة لتلاميذ محافظة ما، وصعبة مستعصية على تلاميذ محافظة اخرى، فهذا يضر بالعملية التربوية، ففي الوقت الذي تكون فيه لغة الكتاب سهلة للبعض، ستشكل عقبة كأداء امام فهم القسم الثاني من الطلاب، وسيصرفون نصف جهدهم العقلي في محاولة فهم لغة الكتاب، ومن ثمّ المعلومة العلمية . لذا حريّ بوزارة التربية في اقليم كوردستان، ان تعتمد لغة سهلة مبسطة في الكتاب المدرسي لفائدة جميع طلاب كوردستان، وان تعتمد على اللهجتين الرئيستين في لغة الكتاب، كأن تكون بعض المواضيع بهذه اللهجة او باللهجة الأخرى، وقد قامت وزارة التربية فعلا” بأعتماد هذه الطريقة قبل الآن، نرجو ان تعمّق من هذه التجربة، وبذلك ستكون هناك فائدتان، الفائدة الأولى، اننا سنتخلص من مشكلة تربوية قائمة، والثانية ان ابناءنا من الطلاب من جميعالمراحل، سيتعلمون اللهجتين في عموم المحافظات، فمن الأجدى والأجدر بالطالب من اربيل والسليمانيةان يتعلم اللهجة الكرمانجية الشمالية لتقوية لغته الكوردية، كما هو من الأجدر بطلابنا من دهوك ان يتعلموا اللهجة الجنوبية لتقوية لغتهم،، وستكون لهذه الخطوة فوائدها الجمة السريعة التأثير فما هي الاّ سنوات ونلقى ابناءنا من الجيل الجديد، وقد تعلموا اللهجتين، حينها سيشكّلون اساس اللغة الأدبية الموحدة، ولو نجحت وزارة التربية في اقليم كوردستان في هذه المسألة ( وهي بألأصل مشكلة تربوية يجب ان تحلّ في اطار التربية وليس خارجها ) ووضعت الكتب المدرسية بتلكالوضعية،فيجب ان تدرس تلك الكتب المشتركة في عموم محافظات كوردستان بالتساوي، حيثتتشابه المناهج وتتشابه اللغة،اما اذا لم تنجح وزارة التربية في ذلك، اولم تقبل بعض المحافظات بدراسة الكتب على تلك الشاكلة، فلا بديل لتلك الخطوة، الاّ بالسماح لطلاب كوردستان بالدراسة كل حسب لهجته من اللهجتين، وهذا ايضا”لايشكل خطرا”على اللغة الكوردية، كما يروق للبعض ان يصوّره .. انا في الحقيقة من انصار الحلّ الأول، اي ان يكون هناك كتاب موحّد اللغة لجميع طلاب كوردستان بالتساوي في جميع المحافظات، وقد عملت في ذلك فعلاّ مع وزارة التربية قبل سنوات، ونحن مستعدون الآن ايضا” لخدمة شعبنا في ذلك المضمار . اما اذا لم تنجح هذه الخطوة، فالخطوة الثانية هي البديل، وهذه ايضا”ليست بالسوء الذي يتصوره البعض، وأؤكد مرة ثانية بان هذه مسألة تربوية ستحلّ في اطار التربية فحسب ..
اما بالنسبة للحالة العامة، فأن ماهو متبع الآن في كوردستان، من اختلاط اللهجتين هو خير وسيلة لخدمة اللغة الموحدة، فبثّ الأخبار باللهجتين من جميع القنوات التلفزيونية والمحطات الأذاعية، والنشر بهما في الجرائد والمجلات، يجعل اللهجتين مألوفتين ومتداولتين في وسائل الأعلام، واللهجتان ستتوحدان في ذهن المشاهد والمستمع والقارئ اولا”، ثم سيستخدمهما في حديثه، ويجعلهما لغة موحدة في واقعه، كماان الأختلاط الموجود حاليا” بين ابناء المناطق المختلفة من كو ردستان على صعيد الدراسة في جامعات كوردستان، والتعامل التجاري بين مدن كوردستان خلق حالة من الفهم والتعامل المشترك بينهم، فأبناؤنا الطلبة من السليمانية الذين يدرسون في دهوك مثلا”،وأبناؤنا من الطلبة من اربيل الذين يدرسون في السليمانية سيتعلمون اللهجات المحلية لبعضهم البعض شاؤوا ام ابوا، وهم الذين سيضعون اساس اللغة الموحدة، بالصبر والأناة شئنا ام ابينا .. فنحن من انصار الأبقاء على هذه الحالة، والتأكيد عليها في جميع مجالات الحياة

_________________________

نشرت في مجلة صوت الاخر

Comments are closed.