قراءة من الداخل ..في جريدة كردستان الأم 2-3

رشيد فندي

ـ2ـ علاقة جريدة كردستان بالشعب الكردي
نظرا”لكون الجريدة كردية وصدرت للكرد أصلا” ،لذا جاهد رئيس التحرير بكلّ ما أوتي من قوة لأيصال الجريدة الى كردستان ،كيف لا ،وهو لم يؤسس الجريدة لأجل الكسب المادي ،ولا في سبيل الترف الثقافي او الفكري ،بل أسسها لخدمة قضيته الكوردية عن طريق الجريدة، وخدمة شعبه ،مستغلاّ” الفسحة السياسية المتوفرة في مصر نوعا” ما وكدليل قطعي على اخلاصه لشعبه ،عمد مقداد مدحت بدرخان ومنذ صدور العدد الأول ،الى أرسال ( الفي نسخة ) من الجريدة الى كردستان مجانا” ،نعم الفا نسخة ، فكم من جريدة كردية او غير كردية تقوم في هذا اليوم بأرسال هذا العدد او نصف هذا العدد الى ابناء الشعب مجانا” ؟ .. أذ يقول مقداد مدحت في العدد الأول من الجريدة ( في كلّ مرة سأقوم بأرسال الفي نسخة الى كردستان لتوزيعها على الشعب مجانا”) .. ويستمر على ذلك في كل عدد ،الى ان يصل الى العدد (20 ) ، ونظرا” للظروف الصعبة التي مرت بها الجريدة ومحاربتها من قبل العثمانيين وأنتقالها من القاهرة الى جنيف ولندن ،قام بتخفيض تلك النسخ المجانية الى ( 200 ) نسخة ،ثم زاد العدد اعتبارا” من العدد ( 24 ) الى الفي نسخة مرة اخرى ،وفي العدد ( 29 ) خفّضها الى ( 200)

انّ هذه البادرة المحمودة من لدن رئيس التحرير حينذاك ،هي بادرة قومية فذة ،نظرا” لظروف الجريدة الصعبة من الناحية المادية وظروف الطبع ،بالأضافة الى محاربة الدولة العثمانية لها وخلق العراقيل أمام التوزيع ..
ولكن كل هذه الصعوبات أصبحت تهون أمام ارادة وعزم نجل اسرة بدرخان ،فعندما نقرأفي افتتاحية العدد الأول ،نرى انّ ذلك العزم يتجلّى في الكلملت التي كتبها ،أذ يقول : ( اشعر بالأسف حيال الكرد ، انّ الكرد يتفوّقون على الكثير من الأقوام من حيث الوعي والذكاء ، وهم كرماء وأقوياء وأصحّاء الأجسام ،فبأذن الله سأقوم بأصدار الجريدة في كلّ ( 15 ) يوم ، ولقد سمّيتها كردستان .. ولاوجود لمثل تلك الجرائد حتى الآن ،فجريدتي هذه هي الأولى ،وربما ستكون هناك نواقص ،أرجو منكم ان تكتبوا لي عن تلك النواقص في الجريدة ) .
ثم يقول في مقال آخر وفي نفس العدد الأول : ( لقد حررت هذه الجريدة ،واصرف عليها الأموال الكثيرة ،وأتعب في سبيلها كثيرا” ،وغايتي من كلّ ذلك هي مصلحة الكرد ،ارجو منكم ان تبادروا الى تعليم الكرد وتعليم أولادكم العلم والأدب .. ) ويقول في العدد الثالث من الجريدة : ( يا أمراء وآغوات الكرد ،ليحفظ الله كردستان ،فبادروا أنتم لتعليم أولادكم والأطّلاع على المعارف والصناعة .. ) وفي العدد الرابع يجعل من جريدته منبرا” للكرد ،لكي ينشروا تفاصيل قضيّتهم على صفحاتها ويقول : ( أنّ هذه الجريدة التي أحررها ،قمت بأرسالها الى ابناء الشعب ،وهم جميعا” يباركون هذهالجريدة ،وأنّ هذه الجريدة ستكون سببا” لكي يطّلع الكرد أسوة بأبناء الدنيا على جميع الحوادث .. وعلى الكرد ان يرسلوا لي الرسائل ،ليبيّنوا لي المظالم التي ترتكب بحقّهم ،وسأقوم بنشرها في الجريدة ،لذا لايريد الظالمون ان يصبح الكرد أصحاب جريدة.. )
ولكن لنعلم كيف كانت أستجابة الكرد للجريدة وكيف أستقبلوها في كردستان وكيف نظروا أليها ؟ فعندما نقرأ هذه الرسالة في العدد ( 3 ) التي وردت للجريدة من أحد الأكراد في بلاد الشام ،نعلم تلك الحقيقة ،ولنقرأ معا” بعضا” من تلك الرسالة :
أنّ هذه الجريدة التي أصدرها أميرنا ،وصلت الى الشام وقد حصلت على نسخة منها ،وقمت بجمع الكرد الذين كانوا قريبين مني ،وعندما رأوا هذه الجريدة وأسمها كردستان ،وصاحبها هو أميرنا ،قاموا جميعا”بتقبيلها أولا” ووضعوها على رؤوسهم وفرحوا بذلك كثيرا” ،ثمّ قمت بقراءة الجريدة لهم ،وقد سرّوا بذلك كثيرا” ،وكأنك أعطيتهم الدنيا بما فيها ..) فليمعن القارئ الكريم ،بطريقة أستقبال الكرد للجريدة ..
وفي العدد ( 13 ) من الجريدة يرسل ( ش. م ) من أشراف دياربكر برسالة الى الجريدة ،يقول فيها:
( هذه مدّة شهرين او ثلاثة ،تصل فيها جريدة كردستان الى بلادنا ،ولكن مأموري الحكومة يمنعوننا من قراءتها بحريتنا ،وهم يفتشون عنها ،وأذا رأوها في يد أحد ، فأنهم سيسجنون ذلك الشخص ويؤذّونه ،ولكن الكرد جميعا”يميلون للجريدة كثيرا” ،ولا يمكن المرور من دونها . )
كانت هذه نماذج من أستقبال الكرد للجريدة رغم محاربة العثمانيين لها ،تلك المحاربة التي يشير اليها المؤرخ المعروف د. كمال مظهر في احد كتبه ،أذ يقول بصدد ذلك : ( لقد شكّل صدور جريدة كردستان ،عقدة أخرى على قلب السلطان عبد الحميدوسلطاته ،وانّ مواضيع اعداد جريدة كردستان التي طبعت للمرة الأولى في القاهرة ،توضّح بجلاء ،كيف عمل رجال السلطان في محاربة وترتيب الحجج ضد مقداد مدحت بدرخان ،الى ان وصل الأمر بهم ،الى الطلب من السلطات المصرية لتسليم مقداد مدحت الى سلطات استانبول كمتّهم ) ..

_____________________

نشرت في مجلة صوت الاخر

Comments are closed.