رشيد فندي
يكثر الحديث في كل عام، وخاصة لدى مرور ذكرى صدور جريدة كردستان الأم، التي صدرت في يوم 22 نيسان من عام 1898 في القاهرة بمصر عن تلك الجريدة، ولكن معظم تلك الكتابات تدور حول أهمية الحدث وأهمية الصدور، وقلّما يتعرض الكتّاب والصحفيون الى موضوعات الجريدة نفسها،
وما حملته صفحاتها، قبل أكثر من مائة عام من مواضيع مهمة، في السياسة الكردية والتاريخ الكردي والثقافة الكردية، ومردّ قلة تلك الكتابات والدراسات التي تعني بمضمون الجريدة ،أنما يعود الى بعض الأسباب الموضوعية التي تحدو بهم الى تجنّب الخوض في غمارها، ويمكن ان نجمل تلك الأسباب بما يلي :
ـ1ـ اللهجة الكردية التي صدرت الجريدة بها، هي لهجة (بوتان) في الكرمانجية الشمالية، التي لا يجيدها الكتّاب والصحفيون ،ليس في أربيل والسليمانية فحسب، بل حتى في دهوك، بالأضافة الى تقادم لغة الجريدة نفسها وكثرة المصطلحات الغريبة فيها..
ـ2ـ مواضيع الجريدة مكتوبة بالأملاء الكردي القديم وتكثر فيها الأخطاء المطبعية، مما يضيف الى العامل الأول، عاملا” أضافيا” هو عامل الأملاء..
ـ3ـ الظروف السياسية المريرة التي مرت بالكرد، طيلة المائة سنة المنصرمة، مما قلل من فرصة أطلاع المثقفين الكرد على أعداد الجريدة الأولى..
بالأضافة الى عوامل أخرى أقل أهمية..
وتأسيسا” على تلك الأسباب، تكون الدراسات المجدية والنافعة والرؤية الداخلية للجريدة نادرة.. لذا فأن هذه المقالة المتواضعة تروم قراءة سريعة للجريدة من الداخل، وبعد قراءتنا لجميع المقالات الكردية فيها رأينا من المفيد ان نشير الى ثلاثة جوانب تخصّ جريدة كردستان الأم وهي:
ـ1ـ كيفية تعامل سلطات الدولة العثمانية مع جريدة كردستان ..
تكمن أهمية جريدة كردستان في صدورها خارج كردستان، فمن المعلوم ان ابناء الأسرة البدرخانية، وهم أمراء جزيرة بوتان، ثاروا على السلطات العثمانية وقاموا بالكفاح المسلّح لمدة قرن من الزمان تقريبا”، تشمل معظم سنوات القرن التاسع عشر، وكانوا في أشتداد ثورتهم وقوّة ساعدهم، قد أعلنوا الدولة الكردية وقاموا بضرب السكّة والنقود في أواسط القرن المشار اليه، ولكن بنتيجة الهجمات العسكرية الشديدة عليهم من قبل الجيش العثماني، وحالة الأفتئات الداخلية للثوار، ذلك الداء الوبيلالذي كان ينخر في الجسد الكردي، ولّدتا نكسة للثورة وألقاء القبض على زعماء الثوار وزجّهم في السجون أو نفيهم الى منافي بعيدة.. وكان من احدى نتائج تلك الحملة على البدرخانيين ان وصل احد أبنائهم البررة وهو (مقداد مدحت بدرخان) الى القاهرة بمصر، ليحتمي بدولة المماليك التي كانت قد خرجت أو تكاد على السلطة العثمانية.. وقام هناك ذاك (المقداد البدرخاني) بأصدار جريدة كردستان ،وصدر العدد الأول منها في 22 نيسان من عام 1898، لتسجّل في التاريخ كونها أول جريدة كردية، صاحبها كردي ولغتها كردية واسمها كردستان.. لذا فصدور تلك الجريدة لايحسب كتاريخ صحفي فحسب للكرد، بل يعتبر استمرارا” على النضال والكفاح ضدّ السلطة العثمانية، ولكنه نضال من النوع الثقافي هذه المرة، بعيدا” عن قعقعة السلاح ،بل تفعيلا” لصرير القلم، كأسلوب جديد عصري متنور للنضال ضدّ سلطة قامعة ..
وآية نضال (مقداد بدرخان) السلمي والثقافي البعيد عن السلاح، تتجلى في مقالاته الأفتتاحية الأولى، كونه رئيسا” للتحرير، يحاور فيها السلطان العثماني، بلغة مهذبة بعيدة عن التجريح والتشهير، وذلك لترويج نشر جريدته بين أبناء شعبه، تلك الجريدة التي أصدرها لصالح شعبه الكردي، لذا يطلب رئيس التحرير في أفتتاحيات الأعداد الأولى من الجريدة، السماح والرخصة من السلطة العثمانية لعدم منع جريدته من التداول في كردستان ،ولكن عندما يرى رئيس التحرير الأول او الثاني أخوه (عبدالرحمن بدرخان)،انهما لايلقيان آذانا” صاغية من لدن السلطات، يعمدان الى توجيه النقداللاذع لتلك السلطات ويشنّان عليها هجمات صحفية وسياسية قوية، وللأستدلال على ما ذكرناه آنفا”، لنقرأ هذه الأسطر من افتتاحية العدد الرابع من الجريدة ،أذ يقول فيها رئيس التحرير: (هذه الكلمات التي كتبتها باللغة التركية، هي عبارة عن رسالة لحضرة السلطان عبد الحميد خان، التي أرجوه فيها ان يأذن لجريدتي كي أرسلها الى كردستان، أذ يقول لي المواطنون انه في الأماكن التي أرسل جريدتي أليها، فأن الجرائد التي أرسلها، تحجز من قبل مأموري الحكومة، ولكونهم
لايعرفون القراءة بالكردية، لذا يظنّون بأنني أكتب أشياء بحقهم في الجريدة، لذا قاموا بمنع جريدتي من الأنتشار بين الكرد، فعلى الكرد أذا” ان يطلبوا من الولاة والمتصرفين السماح للجريدة بالوصول الى المناطق الكردية ..(
وفي العدد (5) يكتب أيضا” : (أن هذه الكلمات التي كتبتها أعلاه، هي لحضرة السلطان عبد الحميد خان، انني أرجوه أن يأذن لجريدتي لأرسلها الى كردستان بشكل علني، أذ ان الأرمن والترك هما بنصف الكرد، فكيف يجوز ان تكون لهم جرائد بلغتهم ولايجوز للكرد ان يكون لهم شيء، وان لايعرفوا بأخبار الدنيا .)
وعندما يطلب منه احد الكرد في كردستان ،ان يرسل له في كل مرة (50) نسخة من الجريدة ،يجيبه مقداد مدحت في العدد (5):
(أشكرك على الرسالة التي أرسلتها، وسأرسل لك 50 نسخة من كل عدد، ولكن بما انّ الحكومة لا تأذن لجريدتي حتى الآن ،لذا لا استطيع ارسالها بالبريد، وسأجد طريقة أخرى لكي أوصلها لك..)
بهذه المقتطفات من نصوص الجريدة نفسها، يتبين لنا كيف كانت السلطة العثمانية تتعامل مع الجريدة ،وكيف كانت تحاربها ،ولكن رغم كلّ ذلك كانت الجريدة تصل الى كردستان، وتوزّع مئات النسخ منها مجانا”، كما سيظهر لنا فيما بعد
_____________________________