أضواء على نوروز وآذار

رشيد فندي

التاريخ هو عبارة عن حكم وعبر، تُنقل ألينا من الماضي لكي نعمل على ضوئها في الحاضر، وتشكّل لنا قوة لأقتحام المستقبل، وبذلك لا وجود لفواصل زمنية بين التسميات الثلاث، فالماضي والحاضر والمستقبل هي كلّ لا يتجزأ من عمر الزمن .. فنوروز الذي هو جزء من ماضينا وفصل مضيئ من تراثنا الكردي، يشكّل اكبر الدعامات النضالية في تاريخنا الكردي، 

فأذا كان نوروز يخلّد في ماضيه العميق صفحة نضالية سطّرها المظلومون والمضطهدون الكرد على قوّة عاتية ظالمة ،لا تزال نيرانها مضيئة على الجبال وتلقي بأشعاعاتها على ليالي كردستان الداكنة، فأنّ نوروز اليوم يدشّن مرحلة متقدمة في التاريخ النضالي الكردي في القرن الحادي والعشرين، وهو لايقل شأنا” ومرتبة عن النوروز الماضي، والموروث الحضاري الضارب في اعماق التاريخ الأسطوري الكردي .. فنوروز اليوم يمثّل للكرد حالة الأستنهاض الجديد ،وخروج المارد الكردي من القمقم الذي كان محبوسا”فيه منذ عقود وقرون، بل حالة تجسيد الأحلام الكردية السالفة في حقيقة ناصعة يكاد الكرد يلمسونها بأناملهم ،وتلك الحقيقة الناصعة تتمثل في نيل الكرد لحقوقهم القومية والثقافية في جزء من كردستان على الأقل، باعثا” بأشعاعاته المنيرة للأجزاء الأخرى من كردستان،التي تحاول نفض غبار الماضي عن نفسها والخروج من حالة الأستكانة والقهر ،وتلملم تلابيبها للنهوض واللحاق بالركب المتقدم الى أمام ..
وأذا كانت نوروز تجسّد كل هذه المعاني، فأن معنى ولادة البارزاني العظيم قبل مناسبة نوروز بأسبوع واحد ،تؤكد على الكثير من الأمور ،فالبارزاني الأب قد أصبح رمزا” تاريخيا” للشعب الكردي في أصقاع المعمورة في تاريخه المعاصر، فكما انّ للشعوب الكبيرة على سطح الأرض رموزها التاريخية ،فكذلك للشعب الكردي رمزه المضيئ، فأذا كان الهنود يفتخرون ب (غاندي) والأنكليز ب(تشرتشل) والأمريكان ب (جورج واشنطون) والفرنسيون بـ (نابليون) ،فكذلك الكرد يفتخرون بالبارزاني، ذلك المشعل الوضّاء في التاريخ المعاصر للحركة التحررية الكردية، وقد سبق لي أن وصفته في مقال سابق، بأنه أعظم زعيم كوردي ظهر بعد فترة صلاح الدين الأيوبي ولحدّ الآن ..
أما وفاته في ديار الغربة في الفاتح من آذار، فأن كانت تشكّل بقعة حزينة في تاريخ الكرد الحالي ،لكنها تنقلب الى أمل وأشراق للمستقبل عندما نتذكر ان البارزاني الأب رحل ليخلّف وراءه البارزاني الأبن الذي لم يترك المكان شاغرا” لمدة طويلة ،بل أشغله بجدارة وحنكةوحكمة سياسية قلّ نظيرها..
تبقى هناك مناسبات أخرى، مثل مؤامرة الجزائر على الشعب الكردي في السادس من آذار والخيانة التي أرتكبتها الأطراف المعنية بحق هذا الشعب المظلوم ،حيث أنتقم الله من المتآمرين واحدا” بعد الآخر، وأولهم شاه أيران الذي ضاقت عليه الأرض بما رحبت، لينهض شعب أيران ويقتلع جذور نظامه من الأساس، والآخر صدام حسين الذي دارت عليه الدوائر، وفتك به أصدقاء الأمس الذين تحوّلوا الى أعداء اليوم وحوّلوه الى ما يشبه الدمية ،يتندر عليها أبناء الشعب العراقي .. وآخرهم هواري بو مدين الذي جرى طبخ المؤامرة في مطبخه، ليبتلي بداء وبيل، عجز خيرة أطباء الدنيا عن معالجته..
أما الشعب الكردي الذي أختبر الأحن والمحن، فخرج مرفوع الهامة ،أقوى من الشدائد والرزايا التي ألمّت به مثل الأنفال وحلبجة والمقابر الجماعية، لينفض عن نفسه غبار الماضي ويعود أقوى من السابق ،يعود وقد تسلّح بالأيمان بالله أولا” وبمبادئه ليرى أعداءه تحت أقدامه ،يتطلّعون الى هامته المرفوعة في وسط الميدان ..
وتدور السنوات وتدور معها ذكريات آذار ونوروز في كلّ عام ،ليستنبط منها الكرد الدروس والعبر وليدع السلاح جانبا” ويبادر الى القلم والدفتر والكومبيوتر والثقافة والعلم ،لتتحوّل كردستان الجميلة الى واحة للديموقراطية والى بلد عصري متقدّم في ميدان السياحة والتجارة والصناعة ،حيث تعلو في أجواءه آلات حفر آبار النفط ومداخن المصانع وتشقّه الطرق العصرية وتنتشر على أرضه المطارات والساحات والميادين، ليرفل أبناء كردستان جميعا”في أثواب العزّ والسؤدد ..
واقول أخيرا”، أنه حريّ بنا نحن ابناء الكرد ان لا ننسى تاريخنا القريب منه والبعيد، وأن نستذكر الدروس والعبر المستقاة منه، الحلوة منها والمرّة ،لأنّ من ينسى تاريخه، سينسى نفسه في الأخير ،ولا زالت أمامنا مسيرة طويلة ،وأنّ خير ما نتزود به لهذه المسيرة هو التحلي بالصبر والثبات والأبتعاد عن الغرور والغطرسة وحبّ الذات، والأتحاد المتين بيننا، لأن قوّتنا تكمن في أتحادنا، ولنجعل من نوروز في كلّ عام، ليس بداية السنة الكردية وبداية فصل الربيع ويوم تساوي الليل والنهار فحسب، بللنجعله يوم التوحّد والعهد وصفاء القلوب بيننا جميعا” لصالح الكرد وكردستان

________________________

نشرت في مجلة صوت الاخر 

Comments are closed.